شربل مارون
صوت لبنان
مصر هي أم الدنيا بالتأكيد، بالنسبة إلى المصرييّن على الأقّل. لكنها كذلك أم ثمانين مليون إنسان تعيش الغالبيّة العظمى منهم تحت خطّ الفقر في ظروف إجتماعيّة وإقتصادية صعبة ،أضيفت اليها في الأشهر الأخيرة ظروف سياسية قاسية جعلت أرض النيل بمثابة قنبلة موقوتة أو برميل من البارود جاهز للإنفجار في أي لحظة.
على مرّ تاريخها برزت في مصر إشكاليّة الدور الكبير خارج الحدود، والتعثّر في الدور الأساسيِ داخل الحدود. أذكرُ فيلماً لفاتن حمامة بعنوان " أفواه وأرانب " أُنتج في أواخر السبعينات يلخّص بشكل ممتاز قضية الفقر وعدم التخطيط الأسري في بلاد النيل. سيّدةٌ تكافح مع زوج سكيّر لإشباع أفواه تسعة أولاد بكل ما أوتيت من قوّة. اما مصر السياسيّة فمسألة أخرى.
على مدى التاريخ من جمال عبد الناصر إلى انور السادات وحسني مبارك وصولاً إلى محمد مرسي السؤال واحد: كيف السبيل لترجمة عشرات الملايين من الأفواه المصريّة الجائعة إلى قوّة وازنه لها دور فاعل في المنطقة. آمَنَ عبد الناصر بمقولة " القوّة تصنع الدور" فإكتشف بعد نكسة العام 1967 ان الأمور ليست بهذه البساطة .
البساطة كلمة سحريّة صالحة لوصف موقف المصرييّن من إستقالة الرئيس المصري الراحل بعد النكسة . تصرّف الرجل كما يتصرّف المسؤول في البلدان الديموقراطيّة . ردّ المصريّون عليه بأن المحاسبة ، ولو كانت من المسؤول ذاته، غيرُ ممكنة في هذا الشرق السعيد.
كانت أغاني أم كلثوم مساء كل خميس عبر إذاعة القاهرة، ومعلّقات أحمد سعيد عبر الإذاعة ذاتها، كافية لمحوِّ كل اضرار الحرب وإستعادة المصريّين معنوياتهم.
مع أنور السادات صار الدور في الإقليم إسمه الإنقلاب. الإنقلاب أولاً على عبد الناصر نفسه ، وثانياً على الحرب والدخول في ما أسماه السادات ذاته" الرهان على السلام" .وهو رهان دلّت الأيام على أنه رهان على وقف الحرب فقط . السلام مسألة أخرى. إغتيل السادات وهو يمسك بغصن الزيتون على إيدي أخوانيّ اسمه خالد الإسلاميولي قبل ان ينجح أخوانيّ آخر إسمه محمد مرسي بعد إحدى وثلاثين سنة في ان يصبح أوّل رئيس إسلامي لمصر.
وما بين الإنقلابين حكّم حسني مبارك. في بداية عهده إعتمد النأي بالنفس عن مشاكل وجع الرأس... وعلى مليارات الولايات المتحدة لإطعام الأفواه الجائعة، وفي نهايته على جمال وعمر سليمان.
شهد حكم مبارك تراجعَ الدور المصريّ في الإقليم في مقابل صعود نجم إيران مع الثورة الإسلاميّة، ونجم تركيا مع رجب طيّب أردوغان والمسلسلات التركية.
صار الدور المصريّ خارج الحدود شبه مستحيل، فيما في الداخل مزيد من الفساد، ومن الإزدحام في شوارع القاهرة، ومن الحياة فوق السطوح، ومن القنابل الإجتماعيّة الجاهزة للإنفجار.
في الخامس والعشرين من يناير انفجرت هذه القنابل في ميدان التحرير فخرج مبارك من السلطة وجاء اليها محمد مرسي حاملاً لواء التغيير والإصلاح.
بعد أشهر قليلة في السلطة وضعت تطوّرات غزّة الرئيس الإخواني أمام الإمتحان: هل ما زالت مصر قادرة على لعب دور محوريّ في الأزمة الأساس، الأزمة الفلسطينية؟ وجاءت هيلاري كلينتون إلى القاهرة لتقول له ان هذا الدور مطلوب. وقبل أن يأتي الجواب على هذا السؤال هزّ قرار مصادرة الصلاحيّات ووضعها في يديّ الرئيس المشهد المصريّ مجدّداً؟
طَرح الإعلام المصري في الأيام الأخيرة سؤالاً غير بريء مفاده: هل تمرّ إستعادةُ الدور الإقليمي لمصر بمصادرة الأدوار الداخلية ؟
ما يجري في مصر لا يبدو مفاجئاً للكثيرين.والمرحلة الإنتقالية لا تمرّ في بلدان العالم الثالث بعمليّة الإقتراع في صناديق الإقتراع فقط. الشارع هو الأساس .
في القاعة الرئيسة داخل مطار القاهرة الدولي، رفعت عبارة لرئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلوسكوني يقول فيها: ما يحصل في مصر لا يحمل جديداً.المصريّون يصنعون التاريخ كالعادة."
الجزء الأول من العبارة صحيح. ما يجري في مصر ليس جديداً.
تعثّر في الدور الداخلي في إنتظار رأي الشارع، وشهيّة مفتوحة على دور إقليمي.